في وقتٍ يخوض فيه قطاع العملات الرقمية والأسواق المالية الأوسع نطاقًا حالةً من عدم اليقين، ألقى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خطابًا حظي بمتابعة دقيقة، عبّر فيه عن مواقف متوازنة جمعت بين الحذر والانفتاح.
فخلال حديثه في العاصمة واشنطن يوم الاثنين، تناول باول أبرز القضايا الراهنة التي تُقلق النظام المالي، بدءًا من التضخم المستمر الذي يُخيّم على آمال خفض أسعار الفائدة، ووصولًا إلى تنامي الدعوات لتوفير لوائح تنظيمية أكثر وضوحًا في ما يخص الأصول الرقمية.
ورغم أن تصريحاته لم تحمل مفاجآت صادمة، فإنها قدّمت إشارات مهمة، لا سيما لأسواق العملات الرقمية التي تبحث عن اتجاه واضح في بيئة اقتصادية مضطربة، تتأثر بتحولات السياسات، والرياح الاقتصادية المعاكسة، وتجدد التوترات الجيوسياسية.
باول: الحاجة إلى قواعد واضحة للعملات الرقمية
في كلمته الرئيسية خلال مؤتمر الذكرى الخامسة والسبعين لقسم المالية الدولية في الاحتياطي الفيدرالي، خصّص باول حيزًا مهمًا لقطاع العملات الرقمية، وهو قطاع بات يحظى باهتمام متزايد من البنك المركزي، مع اقترابه من التيار المالي التقليدي.
وقد أقرّ باول بالاضطرابات التي شهدتها أسواق الأصول الرقمية، مشيرًا إلى انتشار حالات الاحتيال وعدم الاستقرار، ومؤكدًا في الوقت ذاته موقف الاحتياطي الفيدرالي بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى إطار تنظيمي شامل ومتسق، يشجع الابتكار مع الحفاظ على الاستقرار المالي.
كما أشار إلى أن توفير إرشادات واضحة سيُضفي مزيدًا من الشرعية على هذا القطاع، ويُبعد الجهات الفاعلة غير النزيهة، ويُعزز ثقة المؤسسات والمستثمرين الأفراد في التعامل مع أصول قائمة على تقنية البلوكتشين.
وتأتي هذه التصريحات في وقتٍ تتواصل فيه جهود وكالات فيدرالية، أبرزها هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) وهيئة تداول السلع الآجلة (CFTC)، لتحديد وتنظيم مختلف جوانب النظام البيئي للعملات الرقمية، من العملات المستقرة إلى المنصات اللامركزية.
السياسة النقدية: لا خفض مرتقب للفائدة
وفي سياق متصل، تطرّق باول أيضًا إلى السياسة النقدية والتضخم، وهما من أبرز اهتمامات الأسواق في الوقت الراهن.
فرغم تصاعد التوقعات في وقت سابق من هذا العام بإمكانية خفض أسعار الفائدة، أشار باول بوضوح إلى أن الاحتياطي الفيدرالي لا يرى حاجة ملحّة لإجراء تغييرات وشيكة، في ظل استمرار البيانات الاقتصادية المتباينة، ووجود التضخم فوق المستوى المستهدف.
وأوضح أن البنك المركزي مستعد للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية حتى تحقيق تقدّم ملموس ومستدام في السيطرة على التضخم.
وفي هذا الإطار، أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) توقعاتها الاقتصادية المعدلة، والتي رجّحت تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي من 2.8% في عام 2024 إلى 1.6% في 2025، ثم إلى 1.5% في عام 2026. كما حذّرت من أن الرسوم الجمركية المقترحة من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب قد تُلقي بظلال سلبية على النمو وتزيد من ضبابية السياسات الاقتصادية.
البيتكوين ينتعش بعد خطاب باول
وقد انعكست نبرة باول المتوازنة على الأسواق، إذ سجّلت البيتكوين (BTC) انتعاشًا بعد أن كانت قد تراجعت إلى ما دون 103,000 دولار أميركي خلال عطلة نهاية الأسبوع، لترتفع من جديد وتتجاوز 105,000 دولار بعد الخطاب.
وبحلول الثالث من يونيو، تم تداول البيتكوين عند 105,319 دولارًا أميركيًا، بارتفاع يومي نسبته 0.5%.
ورغم أن الأصول الرقمية لا تزال شديدة الحساسية لإشارات الاقتصاد الكلي، فإن استعداد باول للانخراط الجاد في مستقبل تنظيمها بعث برسالة طمأنة إلى قطاع غالبًا ما يلفه الغموض بسبب الإجراءات القانونية المتضاربة وتفاوت المواقف التنظيمية.
ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين الأوسع نطاقًا، سواء من حيث السياسات التجارية أو التوترات الجيوسياسية، لا تزال تُلقي بظلالها على شهية المخاطرة لدى المستثمرين، ما يُبقي العملات الرقمية في نطاق تداول ضيّق نسبيًا على المدى القريب.
